إسماعيل المغربي مشرف الرواق الثقافي
الجنس : عدد المساهمات : 78 مستوى النشاط : 192 تقييم المشاركة : 4
| موضوع: المسافــــــــــــــــر (قصة قصيرة) الإثنين 14 يونيو 2010, 7:50 pm | |
| بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إليكم زوار وأعضاء منتديات دروب الشباب تتمت رحلتنا في أعماق المجموعة القصصية " سنوقد ما تبقى من قنديل " للمؤلف المغربي: عبد الغفور خوى
هذه هي القصة: المسافــــــــــر
وصل إلى الحافلات على الساعة السادسة صباحا، الشبابيك صدئة والحيطان مقشرة رائحة الأشياء القديمة تعبر الممرات.
بخشونة زائدة صهل رجل بدين على مشارف أدنيه.
- أتريد تذكرة إلى الرباط؟ هيا هات النقود، الحافلة ستنطلق بعد نصف ساعة من الأن.
- لا أنا ذاهب إلى الدار البيضاء. لدي موعد مع طبيب العيون.
أخرج المسافر ورقة نقدية ودسها في يد الرجل البدين الذي أخرج بدوره رزمة من التذاكر بألوان مختلفة، وبعد أن تفحصها جيدا أعطى للمسافر إحداها، ثم ساعده في حمل حقيبتيه إلى موقف الحافلات.
لماذا كل الحافلات تقريبا تحمل أسماء الحيونات؟ النمر السريع، الأسد السريع، الأرنب السريع، الغزالة، النعامة، الفراشة... لا بد أن هؤلاء الناس يحبون هذه الكائنات. وإذا كانوا كذلك لا بد أنهم يحترمونها. ومن يحترم الحيوان لا بد أنه يصون كرامة بني أدم.
- انتظر هنا. قال الرجل البدين ثم اختفى
انتشل هذا الصوت المسافر من تفكيره وتساؤلاته فوجد نفسه إلى جانب حافلة حمراء. رجال بملامح قاسية يجوبون الممرات، يصيحون بأصوات عالية، كل واحد يردد إسم مدينة. يبصقون على الأرض يدخنون، يشتمون أي شيء، يتفوهون بكلام بذيء، يحكون معاناتهم، يدخلون أصابعهم في انوفهم.
عاد الرجل البدين إلى المكان، ثم امر الركاب بالصعود إلى الحافلة الحمراء. اقتحم المسافرون الحافلة بدون نظام، سحق بعضهم البعض. لعن بعضهم قلة تربية البعض. تبادل الكثير منهم الشتائم.
لسائق الحافلة صلعة مشعة وفم ادرد مما جعل وجهه مرعبا عندما يبتسم. هذا ما تراءى للمسافر في المرآة المقابلة للسائق. على يسار السائق علق إعلان كتب بخط رديء يقول "ممنوع التدخين والبصق" وفوقه بقليل علق آخر بخط أحسن وأكثر وضوحا هذه المرة يقول "ممنوع الكلام مع السائق". لكن بعض ركاب الحافلة كانوا يدخنون وآخرون كانوا يبصقون أسفل المقاعد بلا سبب ومنهم من تقيأ في كيس بلاستيكي ثم احتفظ به مع حاجياته.
انقطلقت الحافلة. صف الأشجار والنخيل على قارعة الطريق بدأ يتسابق نحو الخلف. ضوضاء الركاب بدأت تقل شيئا فشيئا تاركة المجال لموسيقى شعبية، استبدل السائق أشرطتها عدة مرات.
كانت الحافلة الحمراء تطوي الطريق بسرعة. وبين الفينة والأخرى كانت تتوقف ثم ينزل منها مساعد السائق ويسلم على دركيين. في الغالب مشورابان وبعد ذلك تواصل طريقها. توغلت الحافلة في ممر جبلي، اصبحت تسير ببطء، تخلى السائق عن موسيقاه الشعبية. استبدلها بشريط للقرآن، يبدو من خلال الصوت أن المقرئ غلام يافع.
أسئلة عديدة غزت مخيلة المسافر. لماذا اختار السائق الموسيقى الشعبية في السهل والقرآن في الجبل؟ لماذا يسلم مساعد السائق على مراقب الطريق بحرارة؟ ما جدوى كتابة الإعلانات في الحافلة وأغلب الركاب أميون؟ ثم أرسل بصره عبر النافذة. الشعاب والوهاد تتحرك ببطء نحو الخلف.
أنهت الحافلة الحمراء اختراقها للجبل فغاصت في السهل من جديد. ازدادت سرعتها، سكت المقرئ، صدح مغن شعبي بقاموس شبقي، أخرج المسافر جريدة قديمة. دفن فيها وجهه، مسح أعمدتها ببصره. قرأ حتى صفحة الأبراج وصفحة الإشهار. في الأوقات العادية لا يهتم بما في هذه الصفحات.
انتبه المسافر إلى حركة الركاب. فهم أنهم يستعدون للنزول خاصة وأن السائق قد خفف من السرعة. نظر من النافذة. تراءت له علامة مرور تحتوي على الرقم "60" لتحديد السرعة. بعدها علامة آخرى كتب عليها "تنغير ترحب بكم".
ألرجو أن تنال إعجابك هذه القصة القصيرة ولنا عودة مع قصة جديدة من نفس المجموعة القصصية مع تحياتي | |
|